قراءة فی شعر الشاعر حبيب جميل زاده (قصيدة الاطفال نموذجا)

قراءة فی شعر الشاعر حبيب جميل زاده (قصيدة الاطفال نموذجا)

                                                      رسول بلاوی

ولد الشاعر حبيب جميل زاده فی مدينة الدّورق ای شادكان احدی مدن محافظة خوزستان عام 1960 م من ابوين عربيين ينتميان الی قبائل بنی كعب...ترعرع منذ نعومة اظفاره فی احضان الطبيعة الخلّابة بين النّخيل والسّواقي وبيئة تقيم للكلمة وزنا وعائلة تفهم الكلام بالاشارة. درس فی مدينته وحصل علی الشهادة الثانوية فيها وبعد ذلك نال شهادة البكالوريوس فی فرع الادارة والبرمجة وواصل دراسته علی مستوی الماجستير فی اللغة العربية وآدابها فی مدينتی الاهواز وعبادان وهكذا اخذ بعض الدّروس من المراكز الدينية ومعاهد اللغة الانجليزية ودرس الموسیقی ايضا. عمل مدرسا فی وزارة   التربية والتعليم حتی تقاعد منها وهاجر الی خراسان عام 2001 م ومنذ ذلك الوقت الی يومنا هذا أخذ یدرّس فی جامعات مدينة مشهد المقدسة وضواحيها ومراكز دينية اخری. ترجم العدید من الكتب والمقالات ونشر بعض كتبه المنظومة والمنثورة باللغتين العربية والفارسية.

تعرفت عليه فجأةً فی حديقة الشعب (بارك ملت) القريبة من جامعة الفردوسي .. وكان يصطحبني ذلك اليوم الفقيد الخالد استاذنا الدكتور محمد نگارش (استاذ مساعد فرع اللغة العربيّة و آدابها، توفّيّ إثر عارض صحي في مسبح الجامعة) و صديقي الدكتور بلاسم محسنی (دكتوراه فرع اللغة العربية و آدابها بجامعة الفردوسی) و كلاهما من أهالي مدينة عبادان .. فقد سحرنا الشاعر بخلقه و ادبه و هو يقرأ لنا بعض اشعاره. اهداني ديوانه ذلك اليوم و هو مجموعة اشعار باللغة الفارسية.. كنا نلتقي به دائما فی تلك الحديقة و من العجيب ان الاستاذ جمیل زاده كان يقضي جلّ وقته فی احضان هذه الحديقة الخلّابة، كان فی منتهی الأناقة و الرشاقة، متخلق بأخلاق سامیة، يحب الشعر والادب، و له اشعار فی مدح و رثاء اهل البیت علیهم السلام، فهو شاعر مطبوع بحب اهل البیت(ع) و طالما كنا نحضر المجالس الحسينية فی مشهد المقدسة معه..

من أشهر قصائده قصيدة الأطفال( فی خمسة أجزاء).. و فی ما یلی نقدم دراسة متواضعة حول هذه القصیدة إكراما و إجلالا للشاعر الاستاذ حبیب جمیل زاده.

من أهم التقنیات التی یعمد الشاعر لتوظیفها فی هذه القصیدة ، تقنیة التكرار فقد بدأ القصیدة بتكرار العبارة الاولی :

 

جئتك یا صديقی

جئتك یا صديقی من بلد خیالی يلعب فیه الأطفال

 

أراد الشاعر بهذا التكرار أن يبنی علاقة مع القارئ، علاقة قائمة علی الودّ و الصداقة فالشاعر يريد ان يبوح بمعاناته التی هی معاناة المتلقي ايضا فلا بد للشاعر ان يخاطبه بالصديق لكی یتهیأ لتلقی هذه المعاناة...

 

والاطفال هم السّادة الكرام

هم يقرّرون ويأمرون لكلّ مرام

وما فيه ایّ مناقشة او كلام

يقتلون كل عصفور يطير

او شاء أن يطير

الاطفال فی هذه القصيدة رمز المتخلفين الذین لهم حلوم الأطفال، أما العصفور فيرمز الی الشاعر/ الانسان المتطلّع للتقدّم و الحرية لكنه يخشی الطيران من هولاء الأطفال الذين أصبحت لهم السيادة. ففي ظل هذه الظروف لا بد للشاعر ان طكون طفلا او يلتحق بزمرة الأطفال:

 

اصبح الامر عسير

والاطفال هم الشعراء والادباء

ولا يوجد شاعر واحد الا أن يكون طفلا او فی زمرة الاطفال

هم الكتّاب وهم النّقاد

هم الحكماء وهم الحّكام وهم السّلاطين

 

وهولاءالاطفال / السفهاء دائما بسبب صلافة اعينهم تراهم يتدخّلون فی جميع الامور التي لا تعنيهم ابدا فهم الشعراء والادباء و هم الكتاب و النقاد، هم الحكماء و الحكام و السّلاطين ، يلعبون بالدنيا وما فيها أنّی شاء لهم ، يحبّون الطفولة لأنهم يعيشونها دائما...

نری هذه القصيدة تطفح بروح تشائمیة، اذ لیس للشاعر / العصفور املٌ بالتحليق و التقدم لأن الأطفال فی بلده لا يكبرون و لا يتقدمون و يبقون علی هذه الحالة من التخلّف حتی قيام الساعة:

 

فماذا اقول لك یا صدیقی

لو سئلتنی متی الاطفال يكبرون

اقول لك فی بلدي الاطفال لا يكبرون

 

سيبقون الأطفال بهذه الهيئة يعمهون فی الجهل و التخلّف، يكسرون الزجاجة بالحجارة، يقتلون السمكة، يطفئون الشمعة التی تنیر الطريق ، يقتلون الفراشات البريئة، یسحقون الورود بالأقدام، يحرقون الدفاتر و الاقلام وسيلة العلم، يمنعون المحبة و السلام:

 

كسروا الزّجاجة

بالحجارة

وفاض الماء

والسّمكة ماتت

اطفوا الشمعة

وقتلوا الفراش

سحقوا الورود بالاقدام

حرقوا الدفاتر والاقلام

ومنعوا المحبة والسلام

واذا سئلت يا صديقی لماذا ؟

يقول الاطفال

نحن صغار

لا نعرف لغة الكبار

نعمل بلا قرار

نكره عصافیر الاحرار

نكره كلّ طائر يجول فی السماء

ونكره الوردة الحمراء

 

يقول الشاعر: (الوردة الحمراء) و لم يقل (الوردة البيضاء) مثلاً، لأن الأطفال سحقوا هذه الوردة بالأقدام فأصبحت ضحية الجهل مضرّجة بدمها، واللون الأحمر كما هو معلوم یرمز للتضحیة و الدم، فكما نلاحظ فی هذه القصيدة جاء توظيف اللون توظيفا واعياً يتفق و رؤية الشاعر ..

نكره الاجواء الصافية

نكره الشمس والقمر

 

السمة الغالبة لهولاء الاطفال انهم لا يحبون الاجواء الصافية المتمثلة بالشمس و القمر.. يخالفون النور لأنهم لايحبون الوضوح والشفافيه.

اذن هذا العصفور الباحث عن التقدّم و السكينة لا یجد امامه الا الفرار من دياره الی بلاد الغربة عله يحظی بضالّته المنشودة و لكن دون جدوی:

 

فررت من دیاري

الی بلاد الغربة

وظننت ان الفرار ةنفعنی

الی بلاد تبعد الی الحد الاقصی

................

فاين الفرار یا تری

هل یوجد مكان غير القبر

الشاعر استخدم النقاط فی المقطع السابق حتی يدع للمتلقي مجالا للتفكير، هل انتفع الشاعر بالإغتراب و هل حصل علی ضالته المنشودة؟؟ لكن الشاعر سرعان ما یقاطع خیاله بهذه العبارة: "فأين الفرار یا تری / هل يوجد مكان غير القبر" . و يخیل لي ایضاً أن الشاعر أراد أن يلمح بهذه النقاط الی بُعد المسافة التی تفصل بین بلاده و بلاد الغربة و هذا ما یمكن لنا استنباطه من عبارة:" الی  بلاد تبعد الی الحد الأقصی".

يبقی الشاعر يبحث فی غربته عن النور و الهداية فإذا بنجم بعيد فی وسط السماء یلوح له و لكن نوره ضئیل جدا لا یشبع رغبة الشاعر المتعطّش للنور:

كان نوراً يناشدني

ورجلاي فی الظّلام

مددت طرفي نحو الفضاء

نجم بعيد فی وسط السّماء

نوره ضئيل جداً

أبعيد عني ؟

ام انا البعيد

لا اعرف هل يوجد نجم فی الاسواق للبيع والشري

 

بدأ الشاعر يبحث عن النجوم فی الأسواق فهذه المفارقة الرائعة التی رسمها لنا  تدل علی مدی التفسّخ و المهزلة المتفشيّة، ففی هذا العالم كل شیء اصبح غیر مألوف، فأخذ یبحث عن النجوم فی الأسواق بدل البحث عنها فی السماء..

أصبح الأطفال يتحكمون بالنجوم / الهداية و یصنعون منها المسابح و یصوغون منها قلادة لأجیاد المطايا و البقال:

فی لحظة دخلت فی عالم الخيال

رأیت النجوم بيد الاطفال

يصنعون منها مسابيح

یضعونها این ما شا ؤوا

ولربما قلادة علی اجياد المطايا والبقال

يمضی الشاعر جولته باحثا عن النجم ضآلته المنشودة التی ترك من أجلها دياره، الی أن لاح له هذا النجم بصورة محيرة فأباح بأسراره الحزينة لهذا الشاعر الذی هم بالفرار من الظلام و الاوهام:

مازلت متحيّرا

كیف النجم یكلمني

نعم

رآني حاملا قلبي علی جسمی الكئيب

وافرّ من الظلام والاوهام

وهل هناك ثغر للهروب

حكی لي قصة حزینة

اباح لی سرا هل تعرفونه ؟

عفوا لا ابيح لكم سر الانام

یبدو ان النجم ایضا كان حزينا جدا من بلطجة هولاء الأطفال و همجيتهم و ان له قلبا كبيرا يحب الخير و السلام لجميع الأنام فأخذ يزود الشاعر بوصاياء قيمة:

ولكني عرفت قلب النّجم كبير جدا

واوصاني ان اقابل الجهل والاطفال بالاقدام

ولا اخشی اللئام و الآلام

واستمد بنور الشّمس لأصل الی المرام

لانّ الشّمس تسطع كل یوم

وتعيد لنا النشاط والحب والحنان

نجم تشرق للعقول واليقظة

وللحرية والسّلام

هذه الوصاياء جاءت من لدن النجم (رمز الهداية)، يجب علی الذین يبحثون عن الحب و النشاط و التقدّم و السلام و الحرية ان يقابلوا الجهل بالإقدام و لا يخشوا من اللئام الذين لهم عقول الاطفال و يجب علیهم ان يتحلوا بسلاح العلم و الايمان.


مطالب مشابه :


گروه کوهنوردی آپادانا - صعود به قله کوه سفید-دهدز

سامانه ارسال و به وسیله یک دستگاه مینی بوس سیترا راس ساعت 7 بانوان فولاد خوزستان.




لهجه عربی خوزستان 2

سامانه نشریات سیترا. دانشگاه در لهجه ی عربي خوزستان همانند گفتار عرب، هرگاه در كلمه اي




قراءة فی شعر الشاعر حبيب جميل زاده (قصيدة الاطفال نموذجا)

سامانه نشریات سیترا. دانشگاه ای شادكان احدی مدن محافظة خوزستان عام 1960 م من ابوين عربيين




گزارش کاملی از سینمای سال2012جهان

شرکت بذرباران خوزستان. سامانه پیام کوتاه ابدیت و یک روز»، «سفر به سیترا»، «نگاه خیره‌ی




برچسب :